تقرير: كمال سلطان
على خشبة مسرح الغد يتم حاليا تقديم العرض المسرحى الجديد "زنزانة لكل مواطن" وهو من تأليف إبراهيم الحسينى وبطولة عبد الرحيم حسن، وفاء الحكيم، جلال عثمان، ونجوم مسرح الغد محمود الزيات، محمد دياب، عصام مصطفى، أحمد الشريف، نائل على ومى دياب، ديكور صبحى عبد الجواد، موسيقى وألحان وغناء د. أحمد حجازى ويشاركه الغناء المطرب الشاب محمد فارس إخراج محمود النقلى.
تدور أحداث العرض قبل سبعة أعوام من قيام ثورة 25 يناير ويتناول قصة أسرة مصرية بسيطة يحرص عائلها أن يبتعد تماما عن السياسة وأن يلزم بيته ، حتى يتم القبض عليه يوما والزج به فى السجن لمدة ثلاث سنوات تمتد إلى أكثر من عشرة بسبب محاولاته المتكررة للهروب وفى تلك الأثناء تعانى زوجته كثيرا بأبنائها الثلاثة حيث لاتجد عملا يدر عليها دخلا للإنفاق عليهم ـ وفى أحد الأيام يتم اختطافها من قبل صديق زوجها الذى يشغل منصبا مرموقا فى الدولة ويراودها عن نفسها وعندما ترفض يقوم بإغتصابها وتصويرها بالفيديو ثم يهددها به حتى تذهب إليه مرات ومرات .. وتتوالى الأحداث.
جاءت اختيارات المخرج محمود النقلى لفريق العمل موفقة تماما وكذا جاءت أفكاره لتكوينات خشبة المسرح والإضاءة والديكور مبتكرة وغير مستهلكة وكذلك الاستعانة بممثل على خشبة المسرح لتجسيد دور "الضمير" الذى يذكر عزيز دائما بأخطائه وبالفرص التى أضاعها فى حياته .. كما جاء أداء نجوم العرض على أعلى مستوى بدءا من الفنان القدير عبد الرحيم حسن الذى تصدى لبطولة هذا العرض رغم انشغاله بإدارة مسرح الغد وللحق أن أحدهما لم يطغ على الآخر وقد أدى دور "عزيز كامل فرح" الموظف المقهور بأستاذية ليست جديدة عليه، كما نجحت الفنانة القديرة وفاء الحكيم فى التوحد مع شخصية "صابرة" الزوجة المصرية الأصيلة التى تحاول المحافظة على شرفها وابنائها بعد سجن زوجها لكن الظروف تكون أقوى منها فتفقد شرفها وتفقد أبنائها رغما عنها وقد نجحت وفاء الحكيم فى التعبير عن معاناة صابة من خلال أدائها السهل الممتنع ومن خلال قدرتها الفائقة على التحكم فى نبرات صوتها وتعبيرات وجهها، ويجسد الفنان جلال عثمان دور "مجدى" صديق عزيز الوصولى الانتهازى الذى لايتورع عن فعل كل الموبقات والأفعال الدنيئة حتى يأتى عليه يوم لايقوى حتى على النظر إلى وجهه فى المرآة ، وقد جاء أدائه معبرا تماما عما يتطلبه دوره وهو أمر ليس بالغريب عليه فهو مخرج متميز قبل أن يكون ممثلا قديرا.
محمود الزيات وعصام مصطفى ومى دياب لعبوا دور الأبناء الثلاثة لعزيز وصابرة ثلاثة مواهب شابة ينتظرهم مستقبل كبير على خشبة المسرح منحهتم تطورات أدوارهم فرصة كبيرة للإعلان عن إمكاناتهم الفنية العالية.
محمد دياب، أحمد الشريف، نائل على، خضر، محمد الأسيوطى استطاعوا ملأ المسرح بإمكاناتهم الفنية المتميزة والكبيرة.
ديكور صبحى عبد الجواد جاء متناسقا تماما وتقسيماته لأركان المسرح ليسع شقة عزيز المتواضعة وشقة مجدى الفاخرة ثم غرفة التحقيق فالزنزانة بل وصمم أيضا شارعا يمتد بين الجمهور رغم صغر مساحة القاعة.
موسيقى الدكتور أحمد حجازى وأغنياته التى شاركه فيها المطرب الجميل محمد فارس جاءت مليئة بالشجن تعبيرا عن الحالة التى يعانيها أبطال العمل طوال العرض.
مجلة "أبو الفنون" التقت نجوم وصناع العرض للحديث عن تجربتهم فى العرض ورؤيتهم لمستقبل المسرح المصرى ..
كانت البداية من خلال إبراهيم الحسينى مؤلف العرض الذى قال: انتهيت من كتابة العرض فى شهر ديسمبر الماضى، وأحببت أن اقول من خلاله أن كل منا يعيش سجينا داخل أفكاره وإتجاهاته السياسية وهو بمثابة دعوة لقبول الإتجاه المقابل والا يتشبث كل منا برأيه، فنحن مولعين طيلة الوقت بفكرة التصنيف، ويجب أن نعمل جميعا لصالح المجتمع وليس لصالح إنفسنا ويجب أن يخرج كل منا من زنزانته الخاسة التى سجن نفسه فيها.
وأضاف الحسينى: لم أواجه أى اعتراضات رقابية على النص لأننا شئنا أم أبينا فقد أصبحنا فقط نعيش فى مجتمع مختلف بعد ثورة 25 يناير فأصبحت تستطيع انتقاد الأشخاص مهما بلغت مناصبهم حتى ان الانتقادات أصبحت تطال رأس الحكم فى الدولة، لذلك سيصبح شكل متحفى للرقابة لو قررت حذف مشهد ما من أجل مسئول أو شخص ما.
يقول الفنان عبد الرحيم حسن بطل العرض: هذا هو لقائى الثانى بالمؤلف المتميز إبراهيم الحسينى بعد عرض "كوميديا الأحزان" الذى لقى حفاوة بالغة وتم تكريم الكاتب اكثر من مرة وترجمة النص لأكثر من لغة ويتم تنفيذه حاليا فى أمريكا باللغة الإنجليزية فهو مؤلف له أفكاره الرائعة ، وعرض "زنزانة لكل مواطن" يمس المشاهد ونطرح من خلاله كيف وصلنا إلى أن أصبح كل منا يعيش فى زنزانته الخاصة ، من خلال أفكره ، ضغوط معيشية، ضغوط خارجية، قتل موهبة كل ذلك يمثل سجنا للبشر، عدو وجود حرية، عدم وجود ديموقراطية حقيقية، العرض يتحدث عن أننا كنا سجناء تلك الزنازين ومن المفترض أن الثورة قامت لينتهى ذلك ثم فوجئنا أننا مازلنا نعيش داخل تلك الزنازين ونعيش جميعا داخل زنزانة كبيرة ، الحلم أو السؤال الذى يطرحه العرض هل سنظل داخل تلك الزنازين أم سننطلق خارجها.
ويضيف عبد الرحيم حسن: يختتم العرض بصرخة تحذير للقائمين على الحكم: "متضلموهاش" .. فلو أننا لن نستطيع التعبير عن مشاكلنا من خلال الفن .. فلنخرس ألسنتنا ونلزم بيوتنا وإلا لم نكن لنقوم بثورة ونطال بحريتنا وحقوقنا المسلوبة.
وتتحدث الفنانة وفاء الحكيم عن دورها بالعرض فتقول: أجسد دور زوجة وأم مصرية إسمها "صابرة" متزوجة من عزيز كامل فرح الذى ليس له من اسمه نصيب ولديها ثلاثة أبناء والدور جديد عليا ولم يسبق لى تقديمه من قبل وهناك تماس بين الشخصية وبين مصر على مر عصورها وأتمنى أن تكون النهاية مثلما قدمناها خلال العرض وأن نتجمع من جديد ونتماسك وننظر لبكره بشكل أفضل والحق ان كل ما أتمناه كممثلة وجدته من خلال دورى فى هذا العرض وسعيدة جدا بتعاونى مع المخرج محمود النقلى لأول مرة وهو مخرج متميز وواعى.
وحول رؤيتها لمستقبل المسرح تقول: أرى أنه كلما حرصنا على تقديم فننا بشكل محترم ومحاولتنا للوصول بفننا إلى كل ربوع مصر خاصة فهذا هو دور الفن فى ظل محاولات التهميش التى يحاولان فرضها علينا وأحمد الله أنهم لم يصلوا بعد للثقافة.
ويقول الفنان جلال عثمان: رغم ارتباطاتى الفنية الأخرى إلا أننى تحمست كثير للدور بعد قراءتى للنص وأحببت تقديم هذا الدور الذى استفزنى حيث أن الشخصية لرجل باع ضميره ومبادئه وأخلاقه من أجل الوصول إلى سلطة زائلة هذا النموذج قدمته لكى أذكر به الناس ورغم علمى انه من الممكن أن يكرهنى الناس بسبب نوعية الدور لكننى حرصت على تقديمه ولم أفكر فى الأمر من هذا الجانب.
وحول رؤيته لمستقبل المرح يقول: المسرح مثله مثل أشياء ومجالات أخرى كثيرة فى البلد مازال يعانى من التخبط لأن متغيرات الأحداث أكبر من قدرته على استيعابها ومجارتها وبالتالى هو يحاول مجاراة الأحداث التى أصبحت جريدة يومية يقدمها صناع المسرح ولا نستطيع أن نقول أن المرح اليوم يقدم الشكل الكلاسيكى القديم للمسرح وعروضه المختلفة وانما اختلط الحابل بالنابل.
وحول مايتردد عن وجود ضغوط اخوانية على جهاز الرقابة يقول جلال عثمان: لاأعتقد أنهم من السذاجة بمكان ليتدخلوا فى هذا الأمر، فلن تكون هناك ضغوط فى كل شيئ وهناك مساحة من الحرية الإعلامية نلمسها فى الصحافة والفضائيات فلا يمكن أن نتراجع عن التعبير عن آرائنا بعد الثورة فهو مكتسب لايمكننا التفريط فيه.
وأخيرا يقول مخرج العرض محمود النقلى: النص كان وليد فكرة بينى وبين المؤلف إبراهيم الحسينى اتفقنا خلالها على تقديم عرض يعبر عن التغيرات التى حدثت للمواطن المصرى خلال السنوات الأخيرة وتوصلنا إلى أن من أهم أسباب فقدان الهوية المصرية هو التمركز على الذات، فقررنا دعوة الناس لتحطيم الزنازين حول الذات والتفاعل المجتمعى مع الآخرون، ونبذ سياسة الخلاف التى تنشأ عن تشبث كل منا برأيه ، فالاختلاف فى الرأى غير راسخ فى مجتمعنا بشكل كبير ، حتى التعاملات الاجتماعية لم يعد فيها انسجام.
ويضيف النقلى: سعدت بالتعاون مع المؤلف إبراهيم الحسينى فهو كاتب متمير نال العديد من الجوائز وكذلك نجوم العرض الفنان القدير عبد الرحيم حسن وهو صديق عزيز منذ سنوات وكذلك الفنانة الجميلة وفاء الحكيم والفنان القدير جلال عثمان وجميع الفنانين المشاركين فى العرض مواهب متميزة شرفت بالعمل معهم.