عندما يصل الاستبداد الي اقصي درجاته ، تختلف ردود الأفعال من شخص إلي آخر ... فهناك من لا يتحمل هذه الضغوط ، ومنهم من يأخذها برحابة صدر وان اختلفت صوره واشكاله ... فبطل العمل "حمدي" المتزوج من امرأة مستبدة ، تساعده الظروف كي يتخلص منها لفترة من الوقت .. ولكن سرعان ما يظهر في حياته استبداد من شخص آخر ... يحاول التحكم فيه كي يوصله الي قتل زوجته حيث يذكره بمراحل استبداد حياته منها ومن النساء في حياته ، بداية بأمه ونساء المتعة حتى زوجته ... استطاع "خالد عبد الحميد" ان يشد المتفرج من اول لحظات العرض .. فقد عالج فكرة الاستبداد دراميا بمواقف اجتماعية معتاد عليها ، بشكل يجعلك تضحك وتتأثر وتفكر ... ومنها تختالك مشاعر عدة لحريفته في معالجة الاسقاطات السياسية بشكل بسيط وعميق في نفس الوقت ...
شق القمر مستوحاة من "المزاد" لميخائيل رومان ... رؤية وإخراج "خالد عبد الحميد" الذي أكد علي ابداعه في المعالجة والإخراج ... فقليل ويعد أحيانا نادرا ان يستطيع شخص واحد اخراج عمل درامي متكامل وممتع في الكتابة في نفس الوقت .. استطاع "رامي الطمباري" تجسيد دور الزوج الممارس عليه كافة انواع الاستبداد بشكل رائع ، مع تمكنة في الحركة بسهولة وخفة علي خشبة المسرح ليؤكد علي موهبة عميقة وكبيرة ... فمن السهل تجسيد القوة والبطش ولكن تكمن الصعوبة في تجسيد التبعية والانهزام واللامبالة احيانا ممزوجة بمشاعر غضب ورغبة منقوصة في فك القيود ... كل هذه المشاعر استطاع "رامي" تجسيدها بنجاح باهر ..
أما "رباب طارق" فيعد العرض ميلاد جديد لها علي خشبة المسرح .. فقد جسدت دور الزوجة والام وفتاة الليل بنجاح بالغ ، باختلاف مشاعرهم ومراحلهم العمرية ... لتؤكد علي عمق موهبتها وتقمصها القوي للشخصيات المختلفة ... وقد جاء دور "وائل أبو السعود" مختلفا ومؤثرا .. فقد أخرج طاقات تمثيلية قوية ومبدعة بشكل رائع صور شكل الاستبداد الذي يمثله انيق وهادئ ، ليجعلك تتعاطف معه الأمر الذي أثري الدراما لإكتمال الحبكة ... فليس كل مستبد يظهر بشكل سئ او شرير ، فالإستبداد المتخفي اقوي واخطر من الاستبداد الظاهر ...
جاءت سينوغرافيا العرض لـ "عمر كمال" معبرة وقوية ، وبرغم ثبات الديكور طوال العرض في حجرة النوم .. الا ان التفاصيل كانت مدروسة ولم يشعر المتفرج بالملل لثراء العرض وخاصة مع دخول الجانب الموسيقي من أشعار "خالد عبد الحميد" وموسيقي وألحان "أحمد الناصر" وتصميم رقص "فاروق جعفر" ... الذي كان فاكهة الخروج من شكل ثابت للديكور بشكل متمكن وقوي ... فقد لعبت الاضاءة دورا هاما في الخروج من اي ملل ، الأمر الذي زاد من متابعة المتفرج وتركيزه في كافة التفاصيل ... وفي النهاية يفتح العرض شق صغير في القمر ، الذي يسكن في ليل دامس من الظلم والاستبداد عاشت فيه مصر لعقود طويلة ... محاولا ايجاد بارقة نور من هذا الشق لنصل بها الي مستقبل مختلف ومتفائل.